الخميس، 17 يونيو 2010

من يشد خيوطك

من يشد خيوطك

" وفي أنفسكم أفلا تبصرون"

" فلا أقسم بالنفس اللوامة "

إن عالمنا الداخلي يتكون من أجزاء كثيرة أو نفوس كثيرة وهذه الأجزاء هي مثل أسرة من الناس داخلنا كل فرد من أفرادها يسلك ويتصرف ويشعر ويتحدث مثل شخص حقيقي كل من هؤلاء الأفراد له قصة حياته ومشاعره وانفعالاته وكل منهم له فلسفته الخاصة للحياة وأكثر أولئك الأفراد يبدو أنه يعرف بالضبط كيف يجب أن يكون سلوكنا في الحياة وكما عبر لويس بروتو تعبيراً جميلاً في عنوان الكتاب إن كلاً من أولئك الأفراد يسعده أن يحل دوره ليشد الخيوط التي تحدد من نحن وكيف يجب أن يكون سلوكنا في الحياة وأولى هذه النفوس تكوناً هي " الواقي الضابط وهذه النفس توفر لنا الحماية من الأذى الجسدي والنفسي وهناك النفس " الباعثة للسرور " والنفس " الواقية الضابطة " لتساعدنا في التقدم بحياتنا بعيداً عن الخطر وهناك النفس " السائق " وهي النفس المعنية بالعمل الجاد وهي تتطلب من الفرد أن يعمل بلا كلل حتى يكون الوالدان راضين عنا وقد تنشء كذالك النفس " الساعية للكمال " وهي النفس التي تسعى لأن يكون كل شيء صحيحاً وكاملاً على أمل أن تنال إعجاب ورضا كل إنسان في الدنيا ثم ينشأ لدينا في مرحلة ما من نمونا " الناقد الداخلي " وهو الذي يوجه إلينا النقد لعدم اتباعنا تعليمات النفوس الأخرى التي تحدد لنا كيف علينا أن نكون في الحياة وهكذا تتطور داخلنا هذه الأسرة من النفوس إنها أسرة تابعة لنا شخصياً ولكنها مع ذلك أسرة على مقدار من الشبه بالأسر الأخرى داخل شخصيات الناس الآخرين .

ولايمكن لنا أن نتقبل العالم حتى نتقبل أنفسنا إن حرية الاختيار الحقيقية أثناء التعامل مع الناس لايمكن أن تتحقق لدينا إلا بعد حصولنا على بعض الخبرة والوعي والتقدير لتلك الشخصيات المتنوعة التي تحيا داخل كل منا .

إذا تلبس المرء بأي جزء من شخصيته بحيث يعتبر ذلك الجزء هو شخصيته فالذي سجن نفسه في هذا التلبس بشخصية واحدة كتب على نفسه أن يعيد ويكرر دوراً واحداً لم يعد له الخيار في أن يكون أو لايكون بل الحقيقة أنه لم يعد له الخيار في أن يكون في أي دور آخر وسيكون في النهاية مملاً ومتوقع السلوك وسوف يتوقف عن التطور كممثل وسوف يخفق في أن يعرف حدوده وإمكانات تنوعه ولن يتعلم من خبراته في أي أدوار أخرى وتفاعلات المسرح الأخرى وحين يلتصق بشخصية " هملت " فسوف يلتصق أيضاً بطاقم التمثيل الذي يشترك في المسرحية والحبكة نفسها وبمجموع الخبرات التي ترافقها بالذات ومالم يدرك بشكل ما أن له الحرية في أن يخرج عن الدور المحدد في أي وقت يشاء فإن ذلك الدور سيبقى يسير حياته وكأنه دمية مربوطة بخيط ولكن إذا حصل على ذلك الوعي الجديد فإنه يمتلك خياراًُ لم يكن يتمتع به من قبل ولم يعد الدور المحدد يسيره بل هو يؤدي الدور .

إن من أهم اكتشافات هذا العصر أن عالمنا الداخلي يتكون من أجزاء كثيرة وهذه الأجزاء هي مثل أسرة من الناس داخلنا وكل فرد من أفراد هذه الأسرة يتصرف ويشعر ويتحدث كشخص حقيقي كذلك فإن كل فرد من أفراد هذه الأسرة له قصة حياته ومشاعره وفلسفتته الخاصة إن كلاً منهم يسعده أن يحل دوره ليشد الخيوط التي تحدد من نحن وكيف يجب أن يكون سلوكنا في الحياة ولابد للفرد من فهم هذا الواقع بشيء من التفصيل كي يستطيع أن يوجه هذه النفوس كلها لما فيه مصلحة الجميع وبما يشبع حاجات هذه الأنفس كافة

وكلما عمقنا فهم " الذات " زاد قبولنا لأنفسنا وتحسنت صحتنا النفسية وتعافينا من التجزؤ الداخلي فحينما يتغير وعينا فمن المؤكد أن تبدأ بالتغير طريقة تجمع الطاقة في اللاشعور تماماً وتبدأ تحدث " معجزات " شفائية وحينما يحصل هذا فإن الشخصيات الجزئية تبدأ تساهم في مايحقق الصالح العام للفرد بدل أن تحدث التخريب في داخله وتبدأ تساهم في تماسكنا بدل أن تحدث الشد والتمزيقوتتحول الطاقة التي كانت تضيع في السابق في الكبت والصراع والشعور بالذنب إلى أن تساهم في الحياة وتستعين بالطاقات التي تكملها والتي كانت في الماضي منبوذ بل إن سلبيتنا بعد أن تتغير لاتعود تجتذب الجوانب السلبية من العالم الخارجي وحينما نعترف بكل ماهو جزء منا ونقبل المسؤولية عن كل أجزاء أنفسنا لانعود نحتاج إلى إسقاط ماعندنا على الآخرين وحينما نزيل ذلك القذى كله من عيوننا تصبح رؤية العلاقات الصحيحة ممكنة أخيراً .

إن فهمنا لشخصياتنا الجزئية يعني أنه بدلاً من أن نشير بأصبع اللوم إلى بعض شخصياتنا أو نرفع أيدينا فزعين أمام بعضها الآخر فإننا نكتسب وعياً يساعدنا في فهمها جميعا .

فتستطيع الذات من خلال معرفة النفوس وعدم تلبس أي منها أن تنظر إلى النزاع من موقع المراقب الموضوعي العطوف غير المتحيز بدلاً من موقع أبعد مايكون عن ذلك ولاينطوي على شيء من الراحة حيث يكون الفرد معذباً على أسنة المعضلات

فحينما تشعر أن شخصيتك ترادف أياً من شخصياتك الجزئية أن تلك الشخصية هي " أنت " أو ماتفترض أنه أنت وحين تشعر أنك مدفوع بتوترات داخلية أو مشدود في كل اتجاه وأنك مرغم على السلوك بحسب تلك التوترات والجذب الداخلي كل هذا هو مايعنيه حديثنا عن شد الخيوط وكلما زاد وعيك بالدور الذي تقوم به سهل عليك أن تجعل عملك متماسكاً بحيث لاتجعل سلوكك يسوقك بلا ضابط .

إن مانحاول أن نقوله هنا هو بالطبع أن من مصلحتنا الإصغاء إلى كل أجزاء أنفسنا بدلاً من الاستماع إلى بعضها فقط أي بدلاً من الاستماع إلى ذلك الجزء الذي نعتبره " حقيقة شخصيتنا " ومانحاوله هنا هو أن نكون أمينين مع أنفسنا فيما يخص دوافعنا الحقيقية وأن نجرؤ على الاعتراف بحاجاتنا الحقيقية وأن نحاول تفهم وتقبل تلك الأجزاء من أنفسنا التي نشعر إزاءها بعدم الارتياح وألا ندفععها بعيداً وأن نبقى منفتحين تجاه الأساليب الجديدة لوجودها التي تحاول أن تبزغ داخلنا طول حياتنا وأن نسمح لأنفسنا أن نتغير كل هذا موقف صحي سليم من وجهة نظر الصحة النفسية وخاصة في فترة الأزمات المحتملة مثل المراهقة وأواسط العمر والتقاعد من العمل حيث يمكن أن تختلط شخصياتك الجزئية مع ذاتك وعند ذلك يجب النظر إليها بجدية حتى تعود إلى التواؤم وإلى التوافق مع الأدوار الجديدة .

والأنفس ذات الأوزان الثقيلة الأنفس التي سمنت وتضخمت هي الأنفس التي نستمع إليها أكثر من غيرها ونعتبرها مرادفة لشخصياتنا ونسمح لها بالتعبير عن نفسها أكثر من غيرها والشخصيات الجزئية " الضئيلة " موجودة كذلك في النفس ولكنها مكبوتة في الأعماق تنتظر فرصة سانحة لتأخذ حصتها في التعبير عن الذات وهذه الشخصيات الجزئية التي عطل نموها بسبب إفراطنا في رعاية الأجزاء " الضخمة " وهي الأجزاء التي أفادت فيما سبق من التشجيع الإيجابي من أولئك الذين رعوا نشأتنا أو بسبب منحها الشرعية والبروز من قبل المجتمع الذي نعيش فيه أو من قبل المهنة التي نمتهنها أو من قبل الجماعات المرجعية التي نعطي لرأيهم وزناً وتبقى الأنفس الأخرى كامنة والذات صانعة القرارات هي موجهة الطاقات والجاذبون للخيوط داخلنا هو في الواقع تجمعات للطاقات في اللاشعور توجد لدينا ميلاً مسبقاً لأن نفكر ونشعر وتصدر عنا ردود أفعال محددة المعالم ومتكررة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق